ماذا تعني خلافة راشدة على منهاج النبوة؟؟
إن كثيراً من الناس لا يدركون – في الحقيقة – معنى الخلافة ، وماذا تعني خلافة راشدة على منهاج النبوة، ولا يعرفون مستلزمات هذه الخلافة
، ولذلك تراهم في كل واد يهيمون.
هذه الخلافة ليست من أشكال الحكم المعروفة ولا المألوفة ، وليست دولا متعددة؛ بل هي شكل مختلف ، ولا مجموعة من الخلفاء المتحدين ، بل
خليفة واحد ودولة واحدة ؛ إذ أنه يحرم شرعاً أن يكون للمسلمين في العالم أكثر من دولة واحدة ، وأكثر من خليفة واحد.
كما يجب أن يكون نظام الحكم في دولة الخ*لافة نظام وَحدة، ويحرم أن يكون نظاماً اتحادياً؛ وذلك لما روى مسلم أن عبد الله بن عمرو بن العاص
قال: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (ومَنْ بايع إماماً، فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه،
فاضربوا عنق الآخر)، ولما روى مسلم عن أبي سعيد الخدريّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا بُويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما ).
ولقد نص القرآن الكريم على نظام الخلافة ، قال تعالى {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن
قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}
النور55
كما بشّر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعودة نظام الخلافة الراشدة في قوله (إن أول دينكم نبوة و رحمة و تكون ما شاء الله أن تكون ثم
يرفعها الله جل جلاله. ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله جل جلاله. ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله
أن يكون ثم يرفعه الله جل جلاله ثم يكون ملكا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله جل جلاله ثم تكون خلافة على منهاج النبوة تعمل
في الناس بسنة النبي و يلقي الإسلام بجرانه في الأرض يرضى عنه ساكن السماء و ساكن الأرض لا تذر السماء من قطر إلا صبته مدرارا و لا تدع الأرض
من نباتها وبركاتها شيئا إلا أخرجته ).
إن الحديث عن الخلافة الراشدة على منهاج النبوة يتطلب منا أن نعرف معنى الرشد والرشاد ،لندرك تماما كيف ستكون الخلافة الثانية راشدةً بإذن
الله ؛ فقد ورد في لسان العرب "رشد: في أَسماء الله تعالى الرشيدُ: هو الذي أَرْشَد الخلق إِلى مصالحهم أي هداهم ودلهم عليها، فَعِيل بمعنى
مُفْعل؛ وقيل: هو الذي تنساق تدبيراته إِلى غاياتها على سبيل السداد من غير إِشارة مشير ولا تَسْديد مُسَدِّد.
الرُّشْد والرَّشَد والرَّشاد: نقيض الغيّ. رَشَد الإِنسان، بالفتح،يَرْشُد رُشْداً، بالضم، ورَشِد، بالكسر، يَرْشَد رَشَداً ورَشاداً، فهو راشِد ورَشيد، وهو نقيض
الضلال، إِذا أَصاب وجه الأَمر والطريق. وفي الحديث:عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي؛ الراشدُ اسم فاعل من رَشَد يَرُشُد رُشْداً، وأَرْشَدته
أَنا. يريد بالراشدين أَبا بكر وعمر وعثمان وعليّاً، رحمة الله عليهم ورضوانه، وإِن كان عامّاً في كل من سار سِيرَتَهم من الأَئمة. ورَشِدَ أَمرَه، وإِن لم
يستعمل هكذا."
فالرش*د ض*د ال*غ*ي والهوى، وهو الاستقامة الكاملة على المنهاج النبوي ، وقد جاء وصف الخلفاء الراشدين بهذه الصفة ف*ي ح*دي*ث العرباض بن
سارية -رضي الله عنه-: "... عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور".
كما جاء وصف خلافتهم في بعض الأحاديث النبوية: أخرج الإمام أحمد في "مسنده" عن حذيفة- رضي الله عنه- قال: قال رسول -صلى الله عليه وسلم-
:"تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ، فتكون ما شاء الله أن تكون ، ثم
يرفعها إذا شاء أن يرفعها..." الحديث.
بالرجوع للمعنى اللغوي نتعرف على صفات هذه الدولة القادمة أي صفات خليفتها وقائدها الذي يقود الناس بالخير ويبعدهم عن الضلال ،يأخذ بأيديهم
بحكمته البالغة ،ويجتهد ويقرر ما فيه الصلاح للأمة وفق الأحكام الشرعية ،ويخلصها من الأزمات كل الأزمات ،خاصة مع ولادة الدولة الجديدة وما يُحاط
بها من أخطار ،تماما كأبي بكر-رضي الله عنه- عندما استطاع معالجة أزمة المرتدين بعد وفاة الرسول- صلى الله عليه وسلم فعمِد على قتال المرتدين،
وعلى إنفاذ جيش أسامة للشام مما كان له الأثر البارز في ثبات دولة الإسلام ورجوع القبائل إلى كنفها.
أما كون الخلافة على منهاج النبوة فهذا يعني أن النبي محمد- صلى الله عليه وسلم - بين ظهرانينا ،وكأن الوحي لم ينقطع عن الأرض ، فتعيش
البشرية كما أراد الله – عزوجل – وتحقق معنى العبودية باستحضار العلاقة مع الله ،ويتحقق تعبيدُ الناس لله وحده {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}
الذاريات56، وتنعم البشرية بالأمان العام على المال والنفس والولد والعيال.
بالخلافة الراشدة على منهاج النبوة تسود الفكرة الإسلامية ويطمئن لها الناس، فيدخلون في دين الله أفواجا ،وتُفتح الأرض لرسالة الإسلام، ويُلاحق
الشيطان في عقر داره، ويعود الفهم للإسلام وفقهه وأصوله ، وتغيب عوامل الإختلاف المذموم والفرقة ، وتُذاب المذهبية ،وكل الأفكار والمفاهيم
السقيمة المضلِّلة.