إنه كلام رب الأرباب ملك الملوك جبار السماوات والأرض .. إنه نداء الرب سبحانه وتعالى إلى عباده المؤمنين بل إلى الخلق والبشرية والناس كلهم أجمعين .
والله سبحانه وتعالى يقول :{ كتاب أُحكمت آياته ثم فُصلت من لدن حكيم خبير}منه سبحانه وتعالى هو الذي أهداه لنا ، وهو الذي أنزله على رسوله وهو الذي جعل فيه ما جعل من الهداية والنفع والفائدة وهو القائل جل وعلا : {وإنك لتُلقّى القرآن من لدن حكيمٍ عليم } .. { إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا}
رسالة الله إلى البشرية نحن نعلم أن الإنسان إذا جاءته رسالة من شخصٍ يُعظمه أو يُقدره أو من إنسانٍ له عليه حقوق عظيمة وكثيرة ، أو له عليه حق الطاعة والاستجابة كما تأتي الرسالة من مدير الدائرة تعميماً أو توجيهاً ؛ فإنها تُقرأ مرة بعد مرة ، وإنها توضع نصب الأعين ، وإنها تُتخذ منهاجاً لابد من العمل به ، وإن الإنسان إذا جاءته مثل هذه الرسائل أولاها اهتماماً فأنزله من قلبه منزلة عظيمة ، وأودعها في عقله تفكيراً وتأملاً وتدبراً ، وأنزلها في حياته سلوكاً وتطبيقاً وعملاً .. والقرآن رسالة الله إلينا وكلامه لنا وتوجيهه وإرشاده وحكمه فينا سبحانه وتعالى .
وانظر إلى التعظيم أكثر وأكثر ؛ فإن الناقل لهذا القرآن هو جبريل أمين الوحي وعظيم الملائكة عليه السلام : { إنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين}
انظر إلى العظمة المتضاعفة ! انظر إلى المتلقي المبلغ - عليه أفضل الصلاة والسلام - خير الخلق وخاتم الرسل والأنبياء هو الذي تلقى القرآن كيف تلقاه لهفة ومحبة وشوقاً وحرصاً : { ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يُقضى إليك وحيه } .. { لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه }
كان من شدة تعلقه ومن عظيم حرصه - عليه الصلاة والسلام - يسابق الوحي ترداداً للآيات رغبة في حفظها في الصدر ، وينشغل به تلاوة وهو الذي أمره الحق سبحانه وتعالى كما في قوله جل وعلا : { وأُمرت أن أتلو القرآن }
وأمره الله - جل وعلا - فقال : {يا أيها الرسول بلغ ما أُنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس }
فأي شيءٍ فعل رسول الله – صلى الله عليه وسلم - دوّى بالقرآن شرقاً وغرباً ، وقرأه ليلاً ونهارا تهجّد به في جوف الليل ، وصدح به في وضح النهار ، علّمه الصحابة - رضوان الله عليهم - كما قال أُبي وكما قال ابن مسعود وكما قال غيرهم من الصحابة .
هذا ابن مسعودٍ يقول : " حفظت من فم رسول الله – صلى الله عليه وسلم - سبعين سورة من القرآن " ، وإذا برسول الله – صلى الله عليه وسلم - وهو يقرأ القرآن إماماً للمسلمين ، ثم يطلب منهم سماعه فيقول لابن مسعود : اقرأ عليّ القرآن ، فيقول : أقرأ عليك وعليك أُنزل ؟! فيقول : إني أحب أن أسمعه من غيري .
كان يحب تلاوته ويحب سماعه يشنف به الآذان ، ويُحيي به القلوب ، ويرّطب به النفوس ، ويهدي به البصائر ، ويقوّم به السلوك ، فكان لذلك جعله حياة الناس وحياة الأمة .
فما بالنا كتاب من ربنا ينزل به جبريل على خير الخلق - عليه الصلاة والسلام - ويصدح به النبي في الصحابة ، وتتناقله الأمة أجيالاً بعد أجيال ، يحمله الأئمة العدول والحفاظ الكرام والعلماء الأفذاذ ..كل ذلك يأتي إلينا نعمة من الله ومنّة من الله ، فما بالنا لا نقدّر النعمة قدرها ولا نعرف للمنة عظمتها هل ندرك تماماً هذه المعاني ونجعلها حيّة في قلوبنا .