لقد أمرنا الله ببر والدينا فقال: و بالوالدين إحسانا(الاسراء 23)
من المعلوم أن للأب دور مهم في القيام بأعباء الأسرة؛ فهو الذي يصل الليل بالنهار من أجل تحصيل الرزق و إعمال الجهد لإطعام و كسوة أولاده و إعالة أسرته.
إلا أن الأم خصت في الإسلام بعناية خاصة، ففي الصحيحين أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله من أحق الناس بصحبتي قال : أمك، قال ثم أي ؟ قال: أمك، قال ثم أي ؟ قال أمك، قال ثم أي؟قال أبوك، ثم الأقرب فالأقرب.
فالأم تستحق كل العناية من الأولاد فقد قاست في حملهم ووضعهم الكثير، يقول تعالى:
ِ "وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا " (الاحقاف 15)
و لا ينتهي عناء الأم عند حدود الحمل و المخاض و الولادة و الرضاع، بل يتعداه إلى التربية و الرعاية المتواصلة.
فاسألوا النساء عن الحمل و مشقته و الوضع ووجعه و الرضاع وسهره و التربية و أثقالها، يقول الشاعر:
فكم ليلة باتت بثقلك تشتكي بها من جواها أنة و زفير
و في الوضع لو تدري عليك مشقة فكم غصص منها الفؤاد يطير
و كم مرة جاعت و أعطتك قوتها صفوا و إشفاقا و أنت صغير
أما على أرض الواقع، فالأم بين أمرين أحلاهما مر: إما التهميش و الزج بها داخل دور العجزة أو تخصيص يوم واحد من كل سنة للاحتفال بها!
الأم احتفت بكل ثانية من عمر ولدها؛ احتفت به جنينا و رضيعا و طفلا و شابا و يبقى تحت عينيها و هو شاب يافع و لا يزال يسكن قلبها حتى تموت. و في مقابل ذلك يقايضها الإبن حين يكبر بيوم واحد في السنة يحمل إليها فيه هدية ما و هذا أعلى الإيمان! و إلا فقد ينتهي بها الأمر الأسوار الموحشة لدور العجزة!!.
الحقيقة أن البون شاسع بيننا و بين تعاليم الإسلام، و الصحابة رضوان الله عليهم معايير لذلك:
فلقد كان أبو هريرة رضي الله عنه يسلم على أمه و يقول: رحمك الله كما ربيتني صغيرا، فتقول أمه و هي تشهد له بخلق البر: رحمك الله كما بررتني كبيرا.
و من السلف من كان لا يأكل مع أمه في صحن واحد مخافة أن يأكل لقمة و أمه قد اشتهتها. و آخر إذا كلم أمه و كأنه يتضرع!
من هذه الأمثلة و غيرها يلتمس المسلم القدوة الحسنة و يضبط أقواله و أفعاله في حق والديه. و رغم العقوق الذي يحيط بالأمهات و بالوالدين عموما ففي الأمة الخير الكثير، فقد قال أحدهم لأمه: تمنيت أن أحمل عنك المضرة من شوكة الشوك إلى سكرة الموت، هكذا يكون الفداء لأم أعطت الولد و البنت من دمها و لحمها و راحتها و عمرها.